بعودته إلى رئاسة البرازيل لولا يدشن الولاية الأكثر حساسية في مساره

يبدأ الرئيس البرازيلي الأسبق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ولايته الرئاسية الثالثة الأكثر حساسية الأحد المقبل، في مناخ من التوتر والانقسام لا يمنحه مجال ا كبير ا للمناورة على الصعيدين الداخلي والدولي.

بعد قضاء 580 يوم ا في السجن بتهمة الفساد ألغتها المحكمة العليا في وقت لاحق، وبعد الانتخابات الرئاسية الأكثر تقاطبا في تاريخ أول قوة في أمريكا اللاتينية، يستعد زعيم اليسار لإضفاء الطابع الرسمي على عودته المذهلة والبصم على انبعاث من تحت الرماد لحركة سياسية كاملة كانت ربما في طريقها إلى الخفوت.

في السابعة والسبعين من عمره، سيؤدي لولا اليمين في حفل تحت حراسة مشددة للغاية، بعد إجهاض محاولة تفجير واكتشاف عبوات ناسفة ضواحي العاصمة، وهو مناخ تفاقم بسبب حركة يمينية متطرفة ترفض القبول بعودة أيقونة اليسار البرازيلي إلى السلطة.

واضطرت السلطات إلى حشد جميع أفراد الشرطة لهذا الحفل الذي سيشهد حضور حوالي عشرين رئيس دولة وحكومة، بالإضافة إلى حوالي 300 ألف شخص سيحضرون الاحتفالات.

ستكون هذه الولاية الرئاسية بالفعل واحدة من أصعب المهام في مسيرة لولا. إذ ستكون محفوفة بمخاطر كبيرة، لأن البلاد تمر بانقسام عنيف وأزمة اقتصادية واجتماعية شائكة، ناهيك عن الصراعات السياسية داخل تحالفه، الأمر الذي سيجبره على السير بنوع من الحذر لتحقيق المشروع الطموح الذي وعد به الناخبين.

للقيام بذلك، أعلن لولا كما وعد، “الحكومة الأكثر تنوع ا في التاريخ”. عين 37 وزيرا من 9 أحزاب للانضمام إلى أكبر سلطة تنفيدية في تاريخ البلاد، بما في ذلك أنيل فرانكو – شقيقة الزعيمة الاجتماعية والنسوية التي قتلت على يد إحدى الميليشيات عام 2018 – كوزيرة للمساواة العرقية، والمنحدر من أصل أفريقي سيلفيو ألميدا كوزير لحقوق الانسان.

في الشؤون الخارجية، اختار دبلوماسيا مجربا، ماورو فييرا، وفي الدفاع خوسي ميسيو مونتيرو الرئيس السابق لمجلس الحسابات، بينما عهد بالصناعة والتجارة إلى نائب الرئيس، جيرالدو ألكمين.

وفي السياق، قال الخبير البرازيلي في الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية، فينيسيوس دي فريتاس، “في البرازيل، هناك جو من الانتقام، مما يجعل لولا يواجه التحدي الرئيسي المتمثل في التقريب بين البرازيليين. من المحتمل أن يكون لولا قادرا على السيطرة على الكونغرس، على الرغم من أن أغلبيته بشكل أساسي هي من اليمين والوسط، في لعبة شطرنج تتداخل فيها المصالح والتوافقات السياسية مع القضاء”.

بالنسبة لفينيسيوس دي فريتاس، وهو الباحث في مركز أبحاث مركز السياسات للجنوب الجديد، فإن البرازيل “تمر بممارسة مؤلمة في الديمقراطية تضع على المحك مبدأ فصل السلط، ومراقبة السلطة التنفيذية و التوازنات بين مختلف الفاعلين “.

إذا كانت حكومة لولا هي الأكثر حيوية في التاريخ ، فذلك لأن الرئيس الأسبق (2003-2010) يريد ضمان أقصى قدر من الدعم في البرلمان ، حيث يحظى اليمين والوسط بالأغلبية منذ انتخابات أكتوبر الماضي. كذلك لأن الرئيس المقبل يريد أن يجنح إلى التهدئة وتقليل الانقسامات التي يمكن أن تقوض مشاريعه الإصلاحية.

وسيسمح ذلك للرئيس المقبل بقاعدة سلطة أوسع من قاعدة ناخبيه، والتي بدورها ستسمح بتفاهم أكبر مع السلطات الأخرى للدولة والقضاء والحكومات الإقليمية التي حقق فيها اليمين أيضا تقدما غير مسبوق.

تهدف إيماءات حسن النية تجاه قطاعات السياسة المحافظة أيض ا إلى تقليل التوترات الموجودة مع السوق وأقوى المجموعات الاقتصادية، التي تعتبر لولا تهديدا للمبادرة الخاصة وتحرير السوق. كان اختيار ألكمين ، وهو رجل بتوجه يميني أكثر وضوحا، يهدف على وجه التحديد إلى طمأنة مجال الأعمال في البلاد.

وفق ا للمراقبين، فإن الخطر الذي قد يهدد لولا هو السخط الذي قد ينشأ لدى القواعد الداعمة له، نظرا لأن الناخبين، الذين صوتوا لحزب العمال بحثا عن حكومة تقدمية، وكذلك أحزاب اليسار، يخشون أن هذه التوافقات قد تجعل الحكومة الجديدة تنحرف عن مسارها.

من الواضح أن لولا ليس له هامش داخلي كبير ولن يجده خارج حدود البرازيل أيضا، حيث تأتي الرغبة في استعادة الفضاء والاعتراف الدولي بعملاق أمريكا الجنوبية لتصطدم بواقع جيوسياسي جديد ولدته الحرب في أوكرانيا والمنافسة الشرسة بين الولايات المتحدة والصين، الشريكين الرئيسيين لها.

ويؤكد الأكاديمي ألتير دي سوزا مايا “على الصعيد الدولي ، نظر ا لمكانتها ومساهمتها الاقتصادية، أعتقد أنه لن تكون هناك تغييرات جذرية في السياسة الخارجية. ومع ذلك، اعتبارا من فاتح يناير، يمكننا أن نتوقع تعاونا أكبر بين دول أمريكا الجنوبية. ستكون قضية الأمازون واحدة من الجوانب التي ستشهد انعكاسا رئيسيا في موقف الحكومة البرازيلية”.

ومع ذلك، فإن أسوأ تحدياتها ستكون سوسيو اقتصادية، كما يعتقد دي فريتاس الذي أشار إلى أن “العالم يشهد تضخما مرتفعا، والاقتصادات الغربية الكبرى تواجه مشكلات تتعلق بتكاليف الطاقة المرتفعة، والصين ، المحرك الرئيسي للاقتصاد البرازيلي ، تواجه مشكلات داخلية تؤدي إلى إبطاء نموها”.

يبلغ الدين العام للبرازيل حوالي 76.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، مع اتجاه هبوطي من ذروة 90 بالمائة التي تم الوصول إليها في الأشهر الأولى من الوباء، لكنه لا يزال عند مستويات عالية.

وحافظت الدولة التي يبلغ عدد سكانها 215 مليون نسمة على عجز أساسي منذ نهاية عام 2014 ، مما أدى إلى تراكم عجز موحد بنسبة 4.21 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن الوعد الانتخابي الرئيسي للولا سيعني ضغطا أكبر على الحسابات العامة، مادام سيخصص ما يقرب من 28 مليار دولار للمساعدات الاجتماعية.

وسينهي اقتصاد البلاد العام بنمو قدره 2.9 بالمائة، لكنه سيتباطأ بشكل كبير في عام 2023 (1 بالمائة) ، الأمر الذي سينتهي إلى تحصيل ضرائب أقل، خاصة وأن السياسة النقدية المتشددة للبنك ضد التضخم رفعت أسعار الفائدة إلى 13.75 بالمائة، وهو عائق رئيسي للاستهلاك، المحرك الرئيسي للاقتصاد البرازيلي.

وشهد الإنفاق الحكومي الإلزامي، مثل دفع رواتب الموظفين أو الضمان الاجتماعي أو المعاشات التقاعدية، نموا مطردا في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك جزئيا إلى شيخوخة السكان، وفي عام 2023 سوف يستهلك 93.7 بالمائة من الميزانية العامة.

ومن شأن ذلك أن يقلل من قدرة الاستثمار الحكومية إلى حوالي 25 مليار دولار، بانخفاض 15 بالمائة تقريبا عن عام 2022، وفقا لمؤسسة جيلوليو فيراس.

من جهة أخرى، ففي الوقت الذي يشهد فيه معدل البطالة تحسنا حيث استقر في حدود 8.7 بالمائة من السكان النشطين – على الرغم من أنه من المتوقع أن ينخفض مرة أخرى في عام 2023 – فقد ارتفع الفقر في عام 2021 ، ليصل إلى 29.4 بالمائة من السكان، الذين يمثلون 62.5 مليون شخص.

خلال الحملة الانتخابية، قال لولا إن هذه كانت أهم انتخابات في حياته. إنه تحد واجهه بنجاح. من الآن فصاعد ا ، يبدأ التحدي الثاني، وهو حكم بلد منقسم، في سياق معقد سياسيا، بل وحتى معاد، وفي خضم وضع داخلي وخارجي ليس بالصورة الوردية كما كان عليه الحال خلال ولايتيه السابقتين.

Total
0
Shares
أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشورات ذات الصلة