قادة الرأي العام الأمريكي يشيدون بالجهوية المتقدمة ويدعون الجزائر والبوليساريو إلى القبول بالواقع

يرى عدد من قادة الرأي العام الأمريكي في زيارة الملك محمد السادس للأقاليم الجنوبية، التي تجري في جو من الحبور والسرور عز نظيره، تجسيدا لإعطاء انطلاقة لا رجعة فيها للجهوية المتقدمة، تحت قيادة رؤية ملكية حكيمة، باعتبارها نموذجا لتنمية هذا الجزء من المملكة، وعاملا فعالا لترسيخ الديمقراطية التشاركية.
وبالفعل، يلاحظ بواشنطن أن هذا النموذج الجديد من الحكامة الترابية، الذي رأى النور بعد مشاورات واسعة بين المواطنين ومختلف القوى الحية للأمة، يضع المغرب في حضن الديمقراطيات الحريصة على رفاهية المواطنين، وتلبية تطلعاتهم المشروعة، كما يراد منه أن يضع على أرض الواقع الآليات المؤسساتية الكفيلة بترسيخ الديمقراطية التشاركية والشاملة على المستوى المحلي.
وأسفرت الانتخابات الجهوية، التي جرت في شتنبر الماضي بالمغرب، عن تشكيل مجالس منتخبة عبر الاقتراع العام المباشر، ويتوفر رؤساء هذه المجالس على اختصاصات تنفيذية في مجالات مختلفة ومتعددة تتعلق بتنمية جهاتهم.
ففي الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الأمة، بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين للمسيرة الخضراء المظفرة، قال جلالته .. “كما نؤكد التزامنا بتفعيل الجهوية المتقدمة، وجعل أقاليمنا الجنوبية في صدارتها، لما تتيحه من مشاركة السكان في تدبير شؤونهم المحلية، ومساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة، ولما توفره من أجواء تعبوية، تقوم على حركية مجتمعية واعدة، تفرز نخبا جديدة، لاسيما من النساء والشباب، في إطار تداول ديمقراطي مفتوح على السلطة”.
ومكنت هذه الدينامية، التي تم إطلاقها برعاية من جلالة الملك، من ضخ استثمارات هائلة بهذه المنطقة من المملكة منذ استرجاعها، كما وجهت الجهود المبذولة في مجال توسيع وتعزيز البنيات التحتية، ووضع وتطوير الخدمات الاجتماعية ومكافحة الفقر.
وخلال ندوة بمقر مجموعة التفكير الأمريكية المرموقة (بروكنيغز إنستيتيوت) بواشنطن، أبرز رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، نزار بركة، أن “نجاح هذه الدينامية مكن من أن تصبح المؤشرات السوسيو الاقتصادية بالأقاليم الجنوبية، في الوقت الراهن، أعلى من باقي مناطق المملكة، كما يدل على ذلك الناتج الداخلي الخام للفرد الذي يفوق ب 50 في المئة المعدل الوطني”.
وشدد بركة على أنه إذا كانت الجهود قد تركزت خلال الأربعين سنة الماضية على ضخ استثمارات في مجال تشييد وتعزيز البنيات التحتية الأساسية، وتوسعة نطاق الولوج إلى الخدمات الاجتماعية ومكافحة الفقر، فإن “السنوات المقبلة ستشهد تجسيد تطلعات السكان بما يتماشى وروح الجهوية المتقدمة والحكم الذاتي وإحداث فرص الشغل وخلق الثروة”.
وفي هذا السياق، أشرف الملك على إطلاق، من مدينة العيون خلال شهر نونبر الماضي، عدد من المشاريع على ضوء توقيع عدة اتفاقيات بين رؤساء المجالس الجهوية والحكومة، إذ سيتم تخصيص ميزانية لا تقل عن 10 مليارات دولار لتعزيز عوامل النمو، من قبيل قطاعات الصيد والفلاحة والفوسفاط والسياحة، فضلا عن دعم الاستثمارات الخاصة والنهوض بالشغل وإحداث المقاولات والرقي بالتكوين.
ويوم أمس الجمعة، أشرف الملك محمد السادس، بجماعة فم الواد، على إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز القطب التكنولوجي (تكنوبول) فم الواد – العيون، والذي يعد حاضرة للمعرفة والابتكار ترمي إلى تنمية الأقاليم الجنوبية. وباليوم نفسه، أشرف جلالته بموقع “فوسبوكراع” بالجماعة الحضرية المرسى، على إعطاء انطلاقة إنجاز مشروع مركب صناعي مندمج لإنتاج الأسمدة.
وضمن هذه الاستراتيجية التنموية على جميع الأصعدة بالأقاليم الجنوبية، سيتم تعزيز الربط الكهربائي أيضا بهدف بلوغ القدرة على نقل وتصدير الطاقة المنتجة بالمحطات الشمسية نحو بلدان أخرى، إذ يتمثل الهدف الأسمى في خلق مركز إقليمي يخدم توطيد علاقات التعاون بين المملكة وبلدان جنوب الصحراء، يكون في الآن نفسه مصدرا للرفاهية والاستقرار.
وأمام هذه الحقيقة المدعمة بالحقوق التاريخية الدامغة للمغرب على صحرائه، لاحظت صحيفة (هافينغتون بوست)، في عدد الخميس الماضي، أنه على الجزائر والبوليساريو القبول بالواقع ومعانقة مزايا مخطط الحكم الذاتي بالصحراء، تحت السيادة المغربية، الذي يعتبر الخيار الوحيد الذي من شأنه ضمان رفاهية واستقرار وأمن المنطقة.
وأبرزت الصحيفة، في مقال بعنوان “فرصة نادرة لتحقيق السلام في سياق الحرب والهجرة”، أنه اليوم، الجزائر كما المغرب “يواجهان نزعات متطرفة، خاصة وأن أعضاء من البوليساريو أصبحوا قوة داعمة للجماعات الإرهابية وعصابات المخدرات العابرة للحدود”.
وأبرزت الصحيفة الأمريكية أن الوضع في مخيمات تندوف أصبح “لا يطاق” بالنظر إلى أن جيل الشباب صار يدرك الواقع المؤسف الذي يعيش فيه وينظر إليه بعين ناقدة وموقف متمرد، لافتة إلى أن هذا الجيل، الفاقد للأمل في المستقبل، لا يتسامح مع تفقير مخيمات تندوف واستغلالهم من قبل قادة البوليساريو.
وهكذا، دعا خبراء في العلاقات الدولية الجزائر والبوليساريو إلى الخضوع لـ “حكم التاريخ والواقع” بهدف التوصل إلى تسوية لنزاع الصحراء، محذرين في الوقت نفسه من أن هذا النزاع يوفر منافذ لتنامي أنشطة “القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي” و”داعش” التي تعمل على “زعزعة استقرار المنطقة برمتها”.
وفي هذا السياق، وقع الرئيس الأمريكي باراك أوباما على قانون المالية برسم سنة 2016 والذي يكرس لمرة أخرى دعم واشنطن لمخطط الحكم الذاتي بالصحراء، على اعتبار ان هذا النص يقر بشكل واضح بأن الدعم الأمريكي المقدم إلى المغرب يشمل كافة التراب الوطني، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية.
وبالفعل، ففي تقريره التشريعي حول قانون المالية الأمريكي لسنة 2016، جدد الكونغرس بغرفتيه الدعم القوي للحزبين للسياسة الأمريكية، الممتدة على سنوات، والتي ترتكز على ضرورة التوصل إلى حل متفاوض بشأنه لقضية الصحراء، على أساس مخطط الحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية، كما ذهبت المؤسسة التشريعية أبعد من ذلك من خلال دعوة القطاع الخاص الأمريكي إلى الاستثمار في الأقاليم الجنوبية.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة