قروق الخبير في علم المناخ يكشف لـ”إحاطة” أسباب تغير سمات الفصول الأربعة في المغرب

أفاد سعيد قروق، أستاذ علم المناخ، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك في الدار البيضاء، أن الاحترار الأرضي، الذي نتج عنه استقرار المناخ الجديد، يبقى العامل الرئيسي في تغير سمات وصفات الفصول الموسمية الأربعة في المغرب.

الاحترار الأرضي

وأكد قروق في تواصل هاتفي مع موقع “إحاطة.ما”، أن الاحترار الأرضي “أدى إلى استقرار المناخ الجديد هكذا أسميه، بحيث لم نعد في حاجة للحديث عن التغير المناخي، لأن المناخ قد تغير بالفعل، أو بالأحرى في أحد مراحل تطوارته، لأنه لم يستقر بعد، بحيث نعيش الآن على وقع مناخ مرحلي لا يحقق الاستقرار إلى حدود الساعة، فالحرارة مازالت ترتفع والمناح يتطور، ومن بين تطوراته الفصول الأربعة المعتادة، لم تعد لديها نفس الصفات ونفس السمات. في كل الأحوار الفصول لا تتغير من الناحية الفلكية، لكن حصل تغير كبير من الناخية الطبيعية، إذ سجل المغرب هذه السنة ارتفاع في درجات الحرارة في الفترة الباردة من الموسم، وهذا يبقى أمرا غريبا ويطرح أكثر من سؤال، بحيث لازال البحث العلمي لم يتمكن من الإجابة عليها، وهذا الأمر يتطلب الكثير من الجهد والوقت والمصاريف والإمكانيات، وإلا فإن تسارع الأحداث تمشي بوثيرة عالية، تتجاوز الباحثين في الفلاحة والموارد المائية”.

وأضاف: “بالتالي فالحديث اليوم في المغرب، على فترة حارة وأقل حرارة. والفترات البادرة لم تعد موجودة، وإذا حلت تكون استتثنائية، وتحدث انطلاقا من الكثل الهوائية القادمة من الشمال الشرقي من أوروبا التي بدورها تصلها من سبيريا”.

التحول المناخي نتيجة كونية

واعتبر قروق، أن التحول المناخي هو أمر كوني مرتبط بالكرة الأرضية بكاملها، “وبالتالي يهم جميع الأماكن والبقاع، سواء فوق القارة أو البحار، وبالتالي فإن المغرب لا يمكنه أن ينفلت من هذه التأثيرات، لأن كل ما يحدث في العالم سيتأثر به المغرب بطبيعة الحال”.

وأضاف: “التغير المناخي له أثر عميق على الموارد المائية في العالم بصفة عامة، والمغرب بصفة خاصة، وتتم هذه العملية بارتفاع درجات الحرارة، يرتفع التبخر، والتبخر معناه، أن كميات كبيرة من المياة المتبخرة، تنقل من السطح إلى الأجواء العليا”.

وزاد أستاذ علم المناخ: “توجد هناك عملية أخرى هي أن الوعاء الجوي، (الغلاف الجوي) كلما ارتفعت حرارته تصبح قدرته على حمل الأبخرة عالية، بمعنى أن تحمل الأبخرة داخل الغلاف الجوي يصبح أكثر مما كان، الأمر الذي يؤذي إلى اتساع الوعاء الجوي، وبالتالي ارتفاع درجات الحرارة، يؤذي إلى ارتفاع كميات البخار التي تنتقل إلى الهواء وتظل به، إلى أن يصل فترة التشبع التي تحدث عندما تنخفض درجات الحرارة، وهذا يتطلب وقتا طويلا لكي يتشبع الغلاف الجوي الذي ارتفعت حرارته، والذي معناه أنه في هذه المرحلة حينما يكون التبخر عاليا والوعاء الجوي لا يصل إلى مستوى التكاثف، فإننا نكون أمام فترة جفاف يعني التبخر أقل من التساقطات، وهذه العملية هي التي تمثل الجفاف بالمناسبة حيث لا تعود التساقطات إلى الموضع الذي يحدث منه التبخر”.

وتابع: “حينما تتوفر شروط التكاثف، ويصل الغلاف الجوي إلى مرحلة التشبع ستحصل التساقطات بكميات عالية في مناطق غير مألوفة وفي فترات زمنية محددة، وبالتالي هذه العملية تؤدي إلى خراب في مكونات السطح، وبفعل الجفاف تكون مكونات التربة، قد تفككت وجفت وأصبحت غبار. والنتيجة حينما تسقط الأمطار على هذا الوسط لا تحصل عملية التسرب داخل التربة، وإنما يحصل الجريان السطحي ويكون مملوءا بالأتربة، وهذا ما لحظناه خلال التسقطات الأخيرة في المغرب”.

وواصل: “التحول المناخي يؤدي إلى تغير الدورة المائية، التي تتحكم في التبخر من جهة، ومن جهة ثانية توزيع الأمطار عبر العالم، وهو ما جعل المغرب وبقية العالم يعيش عى أثر هذا التوزيع الجديد المرتبط بالحرارة والدورة الهوائية، وهو ما جعل الأمطار لا تهطل في فصل الخريف والشتاء والآن بدأت تتساقط في فصل الربيع، الأمر الذي يجعل الفلاحة لا تستفيد منها بشكل كبير”.

الجفاف

لا يعتبر سعيد قروق الجفاف مشكلا في المغرب، موضحا بالقول: “لأنه قاعدة بنيوية في المناح المغربي، ويوجد الجفاف في المغرب قبل قيام الدولة المغربية، وبالتالي لا يجب أن نتحدث عن تأثير الجفاف، وإنما عجزنا على التعايش معه، بحيث أن الجفاف هو صفة من الصفات التي يتمتع بها المناخ المغربي، والمغاربة طوروا منذ الستينيات، في محاولة للتعايش معه (الجفاف)، وذلك عندما قرر الحسن الثاني نهج سياسة السدود، كذلك ما يقوم به الملك محمد السادس في هذا الباب باستراتيجية مماثلة لكن أكثر تطورا، إذ طورنا أمور عدة لوجستيكيا وتقنيا”.

السدود

وأردف قروق: “السدود اليوم توفر أكثر من 20 مليار متر مكعب من المياه، التي تستطيع تخزينها، بحيث المشكل يعود لنا في عدم القدرة على التعامل مع السدود والجفاف، إذن المشكل يتعلق بالأشخاص، وليس بالجفاف في حد ذاته. وإذا واصلنا طريقة تعاملنا مع الماء بنفس الكيفية، والتي يعود لها الأثر الكبير في أزمتنا اليوم مع الماء، فعلى الأكيد أن الزراعة المغربية ستتدهور كثيرا، لأن الماء مورد حيوي مضبوط في المغرب، ويجب التعامل معه كما هو، وليس كما نود أن يكون، فالطريقة المتهورة التي نتعامل بها مع الماء تسرع من عملية التدهور، والعكس صحيح”.

وشدد قروق، أن مشكل الماء في المغرب، هو مشكل سلوكيات، “مشكل الطريقة السلبية التي نتعامل بها مع أراضينا، لا سيما فيما يخص النشاط الفلاحي، بحيث عشنا فترة استثنائية لعودة الأمطار في الفترة الممتدة بين 2006 و2017، واعتبرها المسؤولين قاعدة، وبأن الماء متوفر في المغرب، واتجهوا إلى توسع النشاط والزراعي، وأصبحنا تستعمل الماء أكثر من السابق، فصلا عن القيام بجموعة من الاستثمارات الأجنية في الماء، الأمر الذي زاد من استهلاك الماء، والنتيجة كانت عكسية وتسببت في استنزاف مياه السدود، فمع توالي سنوات الجفاف رغم أنها ليست الأقسى ولا الأطول، لكن وقعها كان قويا، بفعل توسيع استعمالات الماء في مخطط المغرب الأخضر وما بعده”.

وخلص قروق، إلى أن الفلاحة المسقية لوحدها، تستحوذ على 89 في المائة من الموارد المائية المتوفرة، دون الحديث عن الفلاحة البورية، وهذا جاء على لسان وزيرة الاقتصاد والمالية في يناير الماضي، وأرقام المندوبية السامية للتخطيط.

Total
0
Shares
أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشورات ذات الصلة