عندما يقول مدير ميدي 1 تيفي : هادشي جاي من لفوق ..

قرأت الجملة مرات ومرات وشككت في بصري وخونت بصيرتي .. « هادشي جاي من لفوق ».. نعم هكذا تحدث حسن الخيار، زرادشت العهد الجديد، إلى العاملين في قناة ميدي 1 تيفي من صحافيين وإداريين. ونقلت عنه مجلة تيل كيل في عدد هذا الأسبوع قوله الذي يحمل من التهديد أكثر ما يحمل من الإطمئنان : ماغادي يكون حتى مشكل .. على كل حال هادشي جاي من الفوق.
ولم تكتف المجلة الفركفونية بكتابة العبارة بالدارجة فحسب، بل ترمجتها إلى لغة موليير.. يعني « إلي مايشتري يتفرج » على رأي إخواننا المصريين… قبل أن تورد في مكان آخر قوله : « ماخصناش نلعبوا بصورة المملكة ».

تعيين غير مفاجئ
كما كان منتظرا، « انسحب » عباس عزوزي من إدارة قناة ميدي 1تيفي ، وجيوبه مملوءة بتعويض سخي أو مايسميه إخواننا في الضفة الأخرى golden parachute ، وتم تعيين حسن خيار مكانه. وفي اليوم نفسه أعطى المدير الجديد قراره بوقف برنامج « مومو« سبعة أيام على نهايته، ثم قرر تسريح الصحافي يسري المراكشي المرتبط مع القناة بعقد ذي مدة غير محددة CDI ، ووقف تعامله مع أي انتاج خارجي وأمر بإغلاق مقر الرباط، وأغلق مسجدا داخل المقر الرئيس بطنجة… وهي كلها قرارات متسرعة تأرجح في تبريرها تارة ب “الرداءة” وتارة أخرى بالأزمة المالية الخانقة.

تكتيك داعشي
إن حسن خيار يتبع تكتيكا واضحا: أولا ترهيب العاملين من خلال اتخاذ قرارات مصيرية ومتسرعة، وقطع بعض الرؤوس للترهيب (مع الحرص على توفير تغطية إعلامية لعملية قطع الرؤوس)، ثانيا، تخوين المسؤولين السابقين وتهميش من بقي منهم. ثالثا، تسريب وثائق داخلية للصحافة للبرهنة على تجاوزات واختلالات مفترضة، ورابعا، وهو ماسنشهده قريبا، اتخاذ قرارات مصيرية تجاه العاملين بالقناة مع ضمان صمت الأغلبية التي لم يعد لها تطلع سوى الحفاظ على مقعدها.
لأجل كل هذا سيكون من الوهم الاعتقاد أن الهدف من كل مناورات حسن خيار، أو فرقعاته الإعلامية، وقراراته الاستعراضية، الانتقام من غريمه المفترض عباس عزوزي لثلاث أسباب رئيسية :
أولا، أن عباس عزوز “عوقب” بانتقاله من قناة ميدي 1 تيفي الى الشركة الوطنية للاستثمار SNI ، يعني عقاب يجب أن تتمناه للحبيب قبل العدو.
ثانيا، في دولة الحق والقانون لا نشهر بالناس في الصحف والمجلات بل نأخذ الملفات إلى القضاء ليقول كلمته.
وثالثا: هل كان عزوزي يتصرف في مال سايب أو أن كل خطواته وحساباته المالية كانت مصادقا عليها من مجلس الإدارة يبصم عليها ويباركها.

ماذا يريد خيار إذن؟
المدير الجديد يسعى إلى خلق ثلاثي متكامل يجمع بين التلفزيون والإذاعة والوكالة الاشهارية، وبدأ منذ تعيينه في دمج فرق العمل في وصفة تذكرنا بشخص من الزمن البائد اسمه بيير كزالطا، اشتغل على مشروع القناة ابتداء من 2002،  وعين على رأسها في 2005،  ورحل عنها في 2008، حاول صنع الراديو من التلفزة، والتلفزة من الراديو، فكان الفشل حليفه على طول الخط.
لنذكر ببعض الأمور.. في سنة 2008 كتبت في جريدة الصباح مقالا تضمن تصريحات لبيير كازالطا بعد خروجه المدوي من ميدي 1 سات حيث قال المدير المخلوع لجريدة ليكونوميست : إن “ميدي 1،سات” لا تمثل مشروعا ربحيا فحسب بل أسلوبا للتأثير أيضا، (يعني الإشعاع بلغة حسن خيار)، “سأكون ساذجا إذا قلت العكس، كما أنه ليس محض صدفة أن يكون قرار إنشاء القناة تم من قبل أعلى سلطة في المغرب وفرنسا على السواء سنة 2002″، (يعني من لفوق بلغة حسن خيار) وعزز كازالطا طرحه قائلا “إن قناة تلفزيونية مثل “الجزيرة” التي أنشأتها قطر هي من جعلت لهذا البلد العربي الصغير حضوة وقوة بين جيرانه، “لن أقول أن ل”ميدي 1 سات” التأثير نفسه الذي لقناة “الجزيرة” إلا أنه يجب الاعتراف أنها تلعب دورها على أمثل وجه”.
الخطاب نفسه، الديكتاتورية نفسها، والستايل نفسه.. رائحة زمن آخر تفوح من العملية اليوم.. أي أن المدير الجديد يريد التيمن بالسلف الفاشل الذي كان يدعوه العاملون ب « الجنرال » من أجل تسيير القناة في 2016 ، ولن يبتكر بالتالي شيئا يذكر بل أخرج les vieilles marmites أي الأواني القديمة حتى يصنع les meilleurs soupes أو أفضل حساء.. غير أن هذا السلوك في لغة العلماء ضرب من العته، أينشتاين يقول: الغباء هو فعل نفس الشئ مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات مع انتظار نتائج مختلفة.

أسوأ الأيام …
أسوأ الأيام هي التي لم نعشها بعد… سيكون حتما شعار العاملين في ميدي 1 تيفي ، فهدف خيار الرئيس هو العاملين بالقناة الذين مارس عليهم سياسة الصعقات الكهربائية والسخون والبارد ، وجردهم من أي تعاطف سياسي أو انتماء نقابي « أنا هو النقابة وماكانآمنش بالانتماء السياسي … ماغاديش تبقى النقابة حيت ماغادياش تبقى المشاكيل … هادي مؤسسة حساسة ديال الدولة« وغدا لناظره قريب أما ما نشهده اليوم على صفحات المجلات والمواقع الاخبارية ليس إلا « تراشقا بالزهور » وتبادلا للأدوار بين Les Golden Boys .

تساؤلات مشروعة
ومن هنا يحق لنا أن نطرح بعض الأسئلة الحارقة والبسيطة :
لماذا يترأس حسن خيار ثلاث مؤسسات كبيرة هي ميدي 1 تيفي وميدي 1 راديو والوكالة الإشهارية ريجي 3 ؟
أليس كل مضمار له خصوصياته وميكانزماته والكفاءات المطلوبة للتسيير؟
أهذا الوطن عقيم إلى الحد الذي يترأس فيه شخص بقدرات خارقة ثلاث مؤسسات دفعة واحدة؟
وهل من الطبيعي أن يكون مدير هذا الثلاثي هو المحتكر للإشهار في قناة منافسة اسمها دوزيم؟

التخبط أولا وأخيرا
إن إشكالية القناة في عهد العزوزي ستكون نفسها مع خيار أو غيره، لذلك على المدير الجديد أن يتسم بواقعية أكبر لأن القضية الأساسية والمحورية التي لا يد لكليهما فيها هو التخبط: ماذا نريد أن نصنع بهذه القناة؟
فمنذ بداياتها الأولى والقناة تائهة بلا هوية : من قناة اخبارية ذات بعد متوسطي الى قناة متنوعة ثم قناة اخبارية بعمق افريقي متوسطي الى قناة عامة ثم قناة تخلط كل شيئ أي في الأخير قناة قلدت مشية الحمامة ونسيت مشية الغراب.
إن بناء مشروع مستقبلي أو إنشاء محطة تلفزيونية يكون لها إشعاع وطني وقاري لا يكون بالترهيب والتخويف بل بتقديم مشروع متكامل وإعطاء استراتيجية واضحة وإشراك العاملين في المؤسسة وكفاءاتها… أما تسيير المؤسسات العامة والخاصة بمنطق « العِزبة » أو سجن أبو غريب فسلوكات مصيرها معروف ونهايتها حتمية.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة