صوفيا التازي تكتب : تطرف أليف

لست مجبرا أن تكون مثقفا جدا لتعلم معنى التطرف، فمنطلق امتلاك شخص لفكرة أو مجموعة من الأفكار يؤمن أنها صالحة تماما لكي تكون منهاجا للحياة، هو المعنى البسيط للتطرف. لدينا الكثير من هؤلاء الأشخاص الذين نراهم في حياتنا اليومية، بمختلف مرجعياتهم السياسية، الاجتماعية أو الدينية، و يمكن أن نصف الشخص أو الجماعة بالتطرف حينما يستخدم ما يؤمن به كأيديولوجية لكل شؤون الحياة و يحاول فرضها على الآخر، لدى كل شخص منا فرد من عائلته يفرض فكرة يؤمن بها على سائر من يشاركونه البيت مثلا، كأن يمنع دخول أي حيوان أليف للبيت، هذا شكل مبسط و أليف لمعنى التطرف.

يمكن أن يكون هذا التطرف معقدا إن تعلق بالدين، و يمكنه أن يكون أكثر تعقيدا إن تعلق بالمذاهب و المناهج لهذا الدين.
هذا الشخص يفقد السيطرة على التمييز بين ما هو نسبي بطبيعته و يتعلق بأمور الدنيا، و بين ما هو مطلق و يتعلق بأمور العقيدة. بعيدا عن النمط التقليدي حول رجال الدين المتطرفين، و بعيدا عن تطرفهم في مجالات تخصصهم ألا يمكن أن نجد رجال سياسة، أعمال، أطباء، إعلاميون متطرفين دينيا ؟

بلى، من المؤسف أنهم موجودون، بكل بساطة لأن التكوين الأكاديمي لا يصنع الفرق، التكوين الاجتماعي من يفعل ذلك.
في المجتمع العربي عموما نجد أمثلة كثيرة لشخصيات متطرفة دينيا من كل المجالات، منهم من يكتم تطرفه ليظهره في اللحظة و المكان المناسبين، و منهم من يجهر به مستفيدا من موقعه كشخصية معروفة، هذا الصنف الأخير يمثل النموذج السيء في مجال عمله، فلنضرب بذلك مثالا لإعلامي مشهور، رسالة الإعلام تكمن في نقل الصورة أو الصوت أو هما معا للمشاهد بكل حيادية و ترك له حرية الفهم و الحكم، وهذا هو المنتظر من إعلامي كفؤ يخدم بلده و يهتم لنهضته بتنوعه الثقافي و الديني و الأديولوجي، ليس المنتظر منه أن يذكر المشاهدين لأوقات الصلاة وفضل الدعاء.
مشكلة جماعة الإسلام السياسي أنها تضع نفسها كأيديولوجيا بجانب الليبرالية و الشيوعية و الاشتراكية، في حين الأديان السماوية ليست أيديولوجيات ولكنها عقائد، علاقة بين الإنسان وخالقه.

لا يمكن أن تتحقق الحرية بوجود ذرة تطرف عالقة بأركان هذا الوطن، غير ذلك لا يمكن أن نحلم بنهضته أبدا. والمطالبة بالحرية المطلقة تعكس جهل تام لمعنى الحرية، ببساطة لأن الحرية بطبيعتها مقيدة، معظم المفكرين والفلاسفة في مقدمتهم “سارتر” أجمعوا أن الفرد كائن حر يعيش وسط قيود، ما إن يتحرر منها حتى يصطدم بحرية الآخر، و هذا معناه أن تتحول الحياة إلى غاب و حالة من الفوضى، لذا فإن الحرية ضرورة للوجود الإنساني، لكنها مقيدة بالإطار الاجتماعي و النظام القانوني و الذوق العام.

التطرف في بلادنا لن ينتهي بالقمع أو بالوجود الأمني، لكنه سينتهي بالتأكيد حين يرتفع مستوى الوعي عن طرق خطة بعيدة المدى، على المستوى التعليم، الخطاب الديني و الإعلام. بذلك ستتغير قضايانا و سيهتم الفرد بنهضة الإنسان عوض نهضة أفكاره.

Total
0
Shares
1 comments

Comments are closed.

المنشورات ذات الصلة